هل تكون جائحة كورونا سببا في إخماد شرارة الربيع العربي ؟
ياسين جعفري
عندما تعود بنا الذاكرة لبداية الربيع العربي قبل عشر سنوات من الآن , و الدوافع التي أدت إلى اشتعال شرارة تلك الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية في الدول العربية, وما آلت إليه الأمور نتساءل هل فعلا كان ربيعا عربيا حقيقيا أم ربيعا زائفا ؟
لكن رغم ذلك لا جدال في كون السبب الحقيقي خلف اندلاع هذه الانتفاضات الشعبية في الدول العربية جاء ليعكس ردود الفعل حول التراكمات وحالة القهر التي تسبب فيها تدهور المعيشة و انعدام الأمن الاجتماعي والقانوني, الشيء الذي أدى إلى تساقط الحكام تباعا كأحجار الدومينو.
قد شهدت المنطقة من الأردن حتى الجزائر تغييرات يمكن أن نقول أنها تغييرات جذرية في ظل ما يعرف بالربيع العربي, لكن السؤال المطروح, هو هل تغيرت الأوضاع في هذه البلدان إلى الأحسن أم أصبحت أسوء مما كانت عليه ؟
من خلال متابعتنا لأحداث الربيع العربي المسترسلة منذ 2011 إلى الآن , ومن خلال أيضا العديد من المتتبعين لأحداث الانتفاضات التي شهدتها الشعوب العربية في منطقة الشرق الأوسط بالدرجة الأولى, فهي لم تجلب سوى المزيد من الفوضى والتدهور بشكل لم يستطع معه المفكرون والباحثون في مجال السياسة الجزم بأن إحدى هاته الانتفاضات حققت نتائج يمكن معها القول بأنها مسيرة احتجاجية ناجحة, فنجد أن الدول التي حققت جزء من ملفاتها المطلبية سواء ما يتعلق بالمجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي , لازالت تواجه تحدي الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وهنا يمكن أن نستدل بالنموذج المصري والطريقة التي تم بها امتصاص غضب الشارع, إثر التحالف الشهير بين العسكر وجماعة الإخوان المسلمين, الشيء الذي سرعان ما أدى إلى انقلاب عسكري في وقت وجيز, وإعدام الرئيس مرسي الذي خلف مبارك في قيادة مصر ليستولي السيسي على الحكم , الشيء الذي أشعل غضب الشارع المصري من جديد حيث عبر العديد من النشطاء عن غضبهم وامتعاضهم لحكم العسكر, خاصة وأنهم رأوه بداية ميلاد ديكتاتورية جديدة, تؤكد فشل الربيع العربي في مصر. جائحة كورونا كانت حدثا مفاجئا , خاصة بما فرضته من تداعيات على الأوضاع في الدول التي تشهد استمرار الاحتجاجات الشعبية في أوساطها, فهل تكون جائحة كورونا سببا في إصلاح ما أفسدته الثورة في البلدان العربية ؟ وهل تفرض كورونا ضرورة إعادة النظر في العلاقة التي تجمع الحكومات العربية بشعوبها ؟
استطاع فيروس كورونا توقيف الاحتجاجات في الدول العربية , بما فيها توقف الحرب الوهمية ضد داعش في سوريا , و انسحاب القوات الأمريكية من العراق, فقد فرضت بداية انتشار الفيروس ضرورة فرض حالة الطوارئ في جميع دول العالم بما فيها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, مما فرض وضع عدة تدابير وإجراءات استثنائية من أجل وقف انتشار الفيروس الذي لازال يخطف الأرواح , لكن هذه التدابير لم تسلم من الانتقاد في الدول الإسلامية فهناك من اعتبرها بمثابة تضييق على ممارسة الطقوس والشعائر الدينية , رغم أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على النفس كضرورة من الضروريات الخمس ومحاربة انتشار الفيروس في الأماكن التي تشهد تجمعات بشرية.
ولا يمكن أيضا أن ننسى أن الحكومات التي تعيش بلدانها على وقع استمرار الاحتجاجات , ستجد صعوبات في طريقة التعامل مع هذا الوضع الجديد الذي فرضه الوباء , ليطرح التساؤل حول كيف ستواجه هذه الحكومات الأزمتين الصحية و الاقتصادية التي فرضها الوباء على دول العالم ؟ خاصة إذا علمنا أن هاذين القطاعين كانا من الأسباب المباشرة التي أدت إلى انتفاضات ما يسمى "الربيع العربي", الشيء الذي سيجعلها أمام معضلة احتواء الفيروس و معضلة امتصاص غضب الشارع.
يبدو أن جائحة كورونا كانت فأل خير على هذه الدول , لأنها ساهمت في امتصاص غضب الشارع وإخماد نيران الاحتجاجات التي استمرت لعقد من الزمن, فخوف المتظاهرين من الإصابة بالفيروس جعلهم يوقفون الاحتجاجات ولو بشكل مؤقت , لكن لا يجب على الحكومات أن تظن أنها كسبت الرهان, بل عليها العمل على بناء أسس متينة تساهم في استعادة الثقة , و العمل بشكل جدي على استغلال هذا التوقف لمصلحتها و مصلحة شعوبها , بشكل يساعدها على محاولة استثمار هذه الثقة ما بعد الجائحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق