حين تمتد نظرتنا الى الاجيال التي سبقتنا سنجد ان التربية عند الاباء كانت تقوم على الشدة في التوجيه وتعتمد القسوة في المعاملة فقد كانت العصا تلعب دورا بارزا في هذا التوجيه سواء كان ذلك على مستوى الاباء او في المدرسة او المسيد فالعصا كانت احدى الطرق التربوية الاساسية في ايقاع العقوبة على التلاميذ من جانب الاباء والمدرسين على حد سواء حيث كانت الوسيلة الوحيدة السائدة انذاك حيث تقوم التربية والتعليم على العنف بقصد فرض الهيبة في نفوس الابناء او التلاميذ حتى انه يتمادى بعضهم الى الضرب المبرح والتأديب الجارح وبذالك كانت الرابطة بين الاب وابنه والمعلم وتلميذه رابطة رهبة وخوف في حين ان المفترض ان تكون رابطة حب وتقدير
ولعل تربية الأولاد أصعب ما تواجهه الأسرة في حياتها الاجتماعية وما تتحمله المدرسة في رسالتها التعليمية، ومردّ هذه الصعوبة إلى اختلاف تنشئة الأولاد في الأجيال الحالية عن التنشئة في الأجيال الماضية، ويتمثل التباين بين الجيل السالف والجيل الحاضر: انه إذا كان الجيل السابق مطالباً بأداء الواجبات دون حصوله على الحقوق، فإنّ الوضع حالياً على الضدّ من ذلك، فهذا الجيل تُعطى له الحقوق دون أن يؤدي ما يقابلها من واجبات، فهو يرى حقوقه على أسرته ولدى مجتمعه ولكنه لا يؤدي واجباته في مقابل ما حصل عليه من حقوق، وذلك اعتماداً على ما هو منظور في الواقع الاجتماعي من ممارسات أفرزتها الرفاهية نتيجة المدنيّة السائدة والحضارة الحديثة التي عطلت أجهزة المناعة لدى هذا الجيل في مواجهة المتاعب والصبر على الشدائد وتحمل تبعة العيش وفق ما تقتضيه طبيعة الحياة من تقلبات، وعلى امتداد توالي العصور وتتابعها بدأ تحول النهج التربوي لدى جيلنا الحالي عما كان عليه لدى الأجيال التي تمثل أجدادنا وآباءنا ومَنء قبلهم بحسب رؤية كل جيل وطبيعة كل عصر.
ففي في وقتنا الراهن وقع تغير واضح على مصادر المعلومات في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والعولمة، فلم يعد الابن يكتفي بما يجده في البيت او المدرسة والوسائل التقليدية الأخرى، بل بات يفضل نيل المعرفة عن طريق الشبكة العنكبوتية والمواقع التعليمية الإلكترونية الأخرى، هذا فضلاً عن سبر أغوار الهواتف الذكية، حتى غدا التماس بين الابن والوالدين في حدوده الدنيا، ولا سيما في حال عمل الوالدين خارج المنزل بسبب متطلبات الحياة التي تتزايد يوما بعد يوم
وبمنطق المقارنة بين الماضي والحاضر في تربية الأبناء برؤية وسطية حديثة فمن الخطأ ما يتصف به بعض الآباء من استخدام الشدة في الماضي في التربية، فهي غير مستساغة ومبالغ فيها حتى إن بعض أولياء الأمور يتجاوز في تأديبه حدود الإصلاح إلى أن يقع في التنفير من التعليم بما يحيط به الأولاد من رهبة مفتعلة تؤدي إلى عكس المراد منها، وفي الجانب الآخر يحدث الضد بالتدليل المبالغ فيه وهي تربية تعطي نتائج عكسية في الاهتمام بصقل الطفل وتنمية مواهبه وتعهده بالرعاية ووضعه على الطريق القويم.. فهو بطبيعته يميل إلى اللهو ويهوى اللعب ويستثقل الدراسة، لأنه يرى فيها ما يحرمه من الاستمتاع بكامل وقته ويجتهد في إضاعته كيفما يشاء في العبث ومزاولة الألعاب التي ترضي رغبته في عدم التقيّد بأي واجب مهما كان خفيفاً، وهو بحكم صغر سنه وعدم اكتمال إدراكه ينساق إلى الملهيات عن التعليم ولو تُرك لنفسه لما تعلّم، ولذا فإنه قد لا يحب المدرسة تبعا لما يمليه عليه مزاجه المتقلب مسايرة لرفاهيته التي ألفَها والتدليل الذي اعتاده واتكأ عليه، وبهذا التوجّه المجرد من الإحساس بالمسؤولية: يفقد أهم مقومات الإعداد لمستقبله لأنه فقد الركائز التي تدعم تكوين شخصيته على أساس المعرفة التي لا يمكن بلوغها إلاّ بوسيلة واحدة توصل إليها، وهي تتمثل في التعليم، ومعلوم أن التعليم يبدأ من المدرسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق