السبت، 8 نوفمبر 2025

الرشيدية على رقعة الشطرنج.. انتخابات تحرك اللاعبين وتغيّر خرائط الانتقالات

 

الرشيدية على رقعة الشطرنج.. انتخابات تحرك اللاعبين وتغيّر خرائط الانتقالات

في كل دورة انتخابية بإقليم الرشيدية، تعود المشاهد ذاتها كأننا ندور في حلقة مفرغة. الأرض نفسها، الوجوه نفسها، الضجيج نفسه، والسيناريو يتكرر بحذافيره. يكفي أن تقترب رياح الانتخابات حتى تنكشف الصراعات الحزبية على الملأ، ويتحول النقاش السياسي إلى حلبة شد وجذب ورشق ومرق من كل صنف. كأن الاقليم يعيش موسما خاصا، لا تزهر فيه الأفكار بل فقط المناوشات.
من جنوب الإقليم إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، تتدافع الأحداث كما تحكيها منصات التواصل، وتكشف هشاشة نخبة سياسية كان يفترض أن ترتفع بالمنطقة لا أن تُغرقها في مستنقعات الحسابات الضيقة. كثير ممن يعتلون واجهات الأحزاب لا يملكون من السياسة إلا يافطات معلقة على جدران المال والنفوذ. فالكفاءة صارت ضيفا نادرا، والحنكة السياسية تُعوض بجبروت الأرصدة، حتى غدا “المال السياسي” هو اللاعب الأول، والبقية مجرد كومبارس يؤثث المشهد.
ليس مذنبا من يشتري إذا كان هناك من يبيع. وهنا تتجلى المأساة في أبسط صورها وأكثرها إيلاما. فكما كان الرقيق يُباع في أسواق الجاهلية، يبيع اليوم بعض المواطنين أصواتهم بنفس البساطة، مع اختلاف الزمن وتنوّع الأدوات وثبات الجوهر. لعبة واحدة بثوبين مختلفين، ونتيجة واحدة تتكرر: سقوط قيمة الصوت، وارتفاع قيمة الصفقة.
ومع كل اقتراب انتخابي، تظهر وجوه محسوبة على أحزاب تتفنن في الكيد لمنافسيها، وتتعقب زلاتهم كما لو أن السياسة أصبحت صيدا وكمائن. فريق آخر يوظف المال والإعلام كمدفعية ثقيلة لإسقاط خصومه قبل بداية الشوط الأول. وهناك من يختار الصمت طوال سنين، ثم يعود فجأة محملا بشعارات “خدمة الصالح العام” رغم أن غيابه كان أبلغ من أي برنامج.
وفي زاوية أخرى، يتحرك السماسرة بخفة لاعبي السيرك. ينتدبون مرشحين هنا، ويحوّلون آخرين هناك، ويقايضون الانتماءات كما لو كانوا يبدلون قمصان الفرق في سوق انتقالات موسمية. يجيدون العزف على كل الأوتار، من الوساطة إلى العلاقات، ويرسمون خريطة الملعب قبل صافرة البداية بسنة كاملة. لا عجب أن تتحول العملية الانتخابية إلى مباراة شطرنج يختلط فيها الملك بالبيدق بمجرد حركة مالية في الخفاء.
وسط هذا الضجيج، تظل الساكنة الحلقة الأضعف والأقوى في آن واحد. أضعف لأنها بعيدة عن كواليس اللعبة، وأقوى لأنها تملك الصوت الذي يقلب الموازين. تنتظر تغييرا طال انتظاره، وتتشبث بأمل أن تتحول الانتخابات من صراع مصالح إلى لحظة وعي جماعي. لكن بين الأمل والواقع، مسافة تُقطع بالصوت الحر وحده، لا بشراء الذمم ولا بتوريد الولاءات.
هكذا تبقى الرشيدية معلقة بين واقع يجر خطواتها إلى الخلف، وطموح يدفعها للأمام. وما بينهما حكاية لا تنتهي، عنوانها البارز: “حين تصبح السياسة سوقا، يصبح المواطن آخر من يُسأل”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مهرجان المسرح المتنوع بالرشيدية… نجاحٌ تأسيسيّ ينسف ادعاءات الارتباك ويؤكد حضور الثقافة كقيمة تنموية

  مهرجان المسرح المتنوع بالرشيدية… نجاحٌ تأسيسيّ ينسف ادعاءات الارتباك ويؤكد حضور الثقافة كقيمة تنموية عرفت مدينة الرشيدية احتضان الدورة الأ...