بالأمس كتبت منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي طلبت فيه اقتراحات لبعض المواضيع من أجل المناقشة والنشر
يقول في الرسالة : "أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة.
لاتحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.
أنا آسف يا أمي لأنه كان لا بد لي أن أسافر كغيري من الشباب ، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للكولون لك، وثمن تصليح أسنانك.
بالمناسبة لون أسناني الآن أخضر بسبب الطحالب العالقة فيه، ومع ذلك هي أجمل من أسنان الديكتاتور.
أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتا من الوهم، كوخا خشبيا جميلا كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخا فقيرا بعيدا عن البراميل المتفجرة وبعيدا عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا.
أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهريا لترفه عن نفسك قبل التخرج.
أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي "الواي فاي" أسوة بصديقتك ميسورة الحال.
أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب.
أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه.
اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملا ثقيلا عليك.
شكرا لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكرا للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي.
شكرا لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين.
شكرا لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر.
أنا آسف لأني غرقت..".
أصبح أبطال الهجرة العربية الجدد بلا عودة، وربما بلا هوية، بل إنهم في أحوال كثيرة لا يصلون من الأصل لشواطئ أوروبا، بل يبتلعهم البحر فيموتون على أعتابها أو تحت أسوارها
كانت هاد الرسالة بالرغم من بساطتها وما حملته من ألم وأسى هي وثيقة إنسانية شديدة الأصالة، تعبر عن ظاهرة إنسانية قديمة هي ظاهرة الهجرة التي ظهرت من قديم الزمان، لكن الجديد هنا أن تلك الرسالة لا تصف فقط مشاهد الموت والغرق والألم والغربة والوَحَشة التي يقابلها المهاجرون ، بل هي شاهد على أمر أكبر من مجرد الهجرة، فمع تزايد أعداد المهاجرين من سواحل إفريقيا الشمالية إلى شواطئ أوروبا، أضحى الأمر أشبه بظاهرة هروب وهجرات جماعية لعدة اسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية دون ان نتكلم على هجرة الطلبة للتحصيل العلمي في الدول المتقدمة بالاضافة لهجرة الأدمغة والطاقات التي تستفيد منها دول أخرى وهلم جرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق