برنامج حكومي لدعم المقاولات ينطلق من درعة تافيلالت وسط أسئلة حول فعالية التنفيذ
انطلاق نظام الدعم الجديد للمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة من جهة درعة تافيلالت يطرح أكثر من سؤال حول منهجية الدولة في إعادة توزيع الاستثمار وأولويات المرحلة. فالاختيار يبدو من جهة جزءاً من محاولة لتصحيح اختلالات تراكمت لسنوات، ومن جهة أخرى هو اختبار لقدرة الجهات الأقل استفادة على احتضان مشاريع ذات أثر اقتصادي مباشر.
النظام الجديد يأتي ضمن مناخ اقتصادي يشهد تباطؤاً في خلق مناصب الشغل وضعفاً في دينامية الاستثمار الخاص رغم التحفيزات السابقة. هذا يجعل من المبادرة مجرد خطوة في مسار أطول يتطلب معالجة عوامل بنيوية تتجاوز التمويل والدعم التقني، مثل جودة البنية التحتية، سرعة الإدارة، وتوفر اليد العاملة المؤهلة. فالمقاولات الصغيرة جداً عادة لا تعاني فقط من ضعف الموارد، بل من صعوبة الاندماج في سلاسل القيمة، وغياب المواكبة المستمرة، ووزن البيروقراطية.
في المقابل، هناك رهان سياسي واقتصادي واضح: الحكومة تبحث عن إشارات قوية تؤكد انتقال السياسات الاستثمارية من المركز إلى الهامش، لكن أي تقييم موضوعي لهذا التوجّه لن يكون ممكناً إلا من خلال نتائج ملموسة. وهذا يرتبط بمدى قدرة هذا البرنامج على تجاوز الإشكالات المعروفة، مثل طول مساطر الاستفادة، وتداخل الاختصاصات بين الإدارات المركزية والجهوية، وضعف تتبع المشاريع بعد تمويلها.
القوافل المزمع تنظيمها عبر مختلف الأقاليم تمثل محاولة عملية لتقريب المعلومة والإدارة من المقاولات. لكن نجاحها سيعتمد على عاملين أساسيين:
• هل سيتم تبسيط الإجراءات بشكل فعلي أم سيظل التعقيد قائماً لكن مع واجهة تواصل جديدة؟
• هل تمتلك الجهات والمؤسسات المحلية القدرة والكفاءات الضرورية لتتبع تنفيذ المشاريع وضمان عدم تعثرها؟
كذلك، إطلاق هذا النظام من جهة درعة تافيلالت يضع على الطاولة سؤالاً أعمق يتعلق بالعدالة المجالية. فالمناطق ذات الإمكانات المحدودة تحتاج دعماً استثمارياً، لكن فعاليتها تتوقف أيضاً على توفر مناخ أعمال جذاب. أي دعم مالي لن يكون كافياً ما لم يُرفق بإصلاحات محلية تشمل تسريع الرخص، تحسين الولوج للعقار الاقتصادي، وتوفير خدمات بنكية مناسبة لحجم المقاولات الصغيرة جداً.
الخلاصة أن البرنامج يمثل خطوة إيجابية من حيث المبدأ، لكنه لن يشكل نقطة تحول إلا إذا رافقته إرادة تنفيذية قوية وآليات تتبع صارمة تضمن أن الدعم يصل فعلاً إلى الفاعلين الذين يحتاجونه، وأنه يتحول إلى نسيج اقتصادي قادرة على خلق فرص شغل وتنشيط الدورة الاقتصادية، خصوصاً في الجهات التي ظلت لعقود خارج دائرة الاهتمام الاستثماري.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق