الاحتفـاء بالإصــدار الإبــداعي للأديــب لحســن عايـي
"إشــران"
د. عبد المجيد اهرى
الشاعر لحسن عايي.. ابن واحة زيز الغناء، الأديب الذي ترعرع بين أزقة قصورها وارتشف من عبق حضارتها. كان شغوفا منذ صغره بالمسرح فكتب العشرات من المسرحيات، ولأن الهيام بالمسرح، يقذف بك في غياهب الإبداع المتنوعة، فإنه كتب أولى أغنياته - بتعبير محمود درويش في جداريته - أولى قصائده (احميني يا أبي) التي ترصع ديوانه الأول <سحر الامتداد>، قبل أن يتوصل غلى قناعة راسخة، شأنه شأن العديد من الشعراء: "لا أتصور حياة خارج الكتابة الشعرية."
الشاعر لحسن عايي.. ابن الواحة الغناء زيز.. شاعر ينشد بيدين وبلغتين أمازيغية وعربية.. وعبر مسار العشق.. أصدر مجموعة من الدواوين منها: <سحر الامتداد> سنة 2001، و<كوكب الربيع> سنة 2009، و<لو تنصت العصافير للبشر> سنة 2014، و<قطرة مطر استعجل فتحها> سنة 2015، و<الصدى الذي يعيدني إليك> سنة 2016، و<عنقود من تراب> سنة 2018 حيث (يحترق المعنى في يده) قصيدة، ويعلن (أقيم في رسائلي) قصيدة أخرى، و(يرمي بشموسه في شروقها) قصيدة أخرى، فيطرز (عناقيد الشوق) قصيدة أخرى، (ذات شتاء) قصيدة أخرى ليستدل ستار آخر ديوانه بالبوح (في صدري شيء منك) قصيدة أخيرة.
الشاعر لحسن عايي.. شارك في عدة لقاءات وطنية وإقليمية، وسهر على تنظيم العديد من اللقاءات الأدبية والشعرية، وحينما تناوشه حول الشعر وأغراضه، تراه ينتصر للدفقة الشعورية التي تميز شعر التفعيلة.. إنه – يقول شاعرنا – يجعل المتلقي يواكب ذبذبات وتفاعلات الإلقاء بنبر غير نمطي مما يجعل المتلقي يشاركك تلك الأجواء الشعرية المحلقة تارة والملامسة للحياة تارة أخرى، وطبعا بما يناسبها من صوت وايقاع يضمر وزنا دقيقا رائعا.
ومن إبداعات الرجل، نقف احتفاء بنفسه الروائي في روايته (إشران)، لنلتقط معه نفسه الإبداعي وليحكي لنا ما التصق من صور غور إشران.. هي صوره في قلب (لقصر) و(الواحة) و(تافيلالت) و(القبيلة) بأساطيرها وطقوسها من (بوغنيم) إلى (القمر الدموي).. وحكاية خيرة.. الأنثى الوحيدة التي تظهر عابسة في صورة الغلاف وسط (إشران)..
إشران.. رواية نثرية من صنف الرواية الجديد، بنفس شعري ينتصر لعشق الأديب الأول.. الشعر .. يقول في الرواية "الواحة تشبه الأهالي الذين يقطنونها تشعر تماما كما يشعرون، أغصان الصفصاف عارية، لم تعد تدفئ ضفتي النهر، النخل السامل منح الأهالي محصوله، ثم ركن إلى زاوية في السماء واستراح، الرياح الباردة تغادر جحورها في الأعالي كصقور تنزل إلى أزقة القرية المشبعة بالحياة، تحاور المطاحن الحجرية، تأخذ ما علق بها من حكايات النساء، وحدها أبخرة المواقد المتصاعدة باكرا تعانق السحاب."
رواية (إشران).. هي صورة لحياتنا داخل القصر، حيث الجماعة تقرر في حياة الفرد، تزوجه مثل خيرة في الرواية، وتنفيه خارج سور القصر مثل خيرة في الرواية، وتحاكمه في ساحاتها مثل (حسن) في الرواية، وتنسج علاقات التعايش مع الآخر مثل (موشي) في الراوية، وغيرها من العلاقات والأحداث التي تشبهنا أو قل لها ظلال في حياتنا داخل السور، وغم ذلك، يؤكد الروائي ويصر في الصفحة الثانية: "بأن الرواية من وحي الخيال، فلا تمت للواقع بصلة، وأي تشابه في الأسماء أو الأحداث فهو محض الصدفة."
إن أهم ما أثاري في الرواية بغض النظر عن عوالمها المثيرة، وآليات بناء حبكتها، التي تنفتح على جزء ثان للراوية، هو قيد الطبع، أن صاحب إشران ينتصر (اتربات.. خيرة) في وجه النظام البطريركي والأبوي للقبيلة، ويكشف عن تودرت ن إشران في تمردهم على نفسهم وعلى الوصاية ضد الجهل ومن ذلك الصور الزائفة للقمر الدموي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق